حاولوا تطبيق هذه التجربة مع طفل صغيرمن أبنائكم أو إخوانكم وانظروا النتائج :
املؤوا كوبا بالماء ثم اطلبوا من الطفل أن ينقله إلى مكان آخر - المطبخ مثلا - ، فقط اطلبوا منه هذا دون أي توجيه إضافي ، سيحمل الكوب وينطلق به للمكان المحدد ، في نصف المسافة قولوا له دون مقدمات : - لا تسكب الماء أو لا تسقط الكوب - ، ولاحظوا ردة فعله وقارنوا بين سلوكه قبل هذا القول وبعده . جربت هذا عشرات المرات وكانت النتيجة واحدة في أكثر المرات ، وجدت أن الطفل قبل هذا العبارة يتصرف بطريقة تلقائية سليمة ، لكن بمجرد سماعه لهذه العبارة السلبية ، يضطرب ويرتبك ، وفي كل الحالات التي يكون فيها الكوب مملوء اتماما في كل هذه الحالات ينسكب الماء على الأرض .
ما معنى هذا ؟
لنجرب تجربة ثانية توضح لنا تفسير هذا كله : ليأخذ أحدنا كوبا مملوءا تماما بالماء ويضعه في طبق صغير ، ويحمل الطبق دون أن يمسك بالكوب نفسه و يمشي به مسافة عشرة أمتار ، هل في ذلك صعوبة ؟ قطعا لا صعوبة في ذلك كل منا يستطيع أن يفعل ذلك ، جرب ذلك بنفسك ستجد أن الأمر سهلا ، لكن كرر المحاولة و أنت تستحضر في ذهنك أن الكوب يمكن أن يسقط و أن الماء يمكن أن ينسكب ، جرب ذلك وانظر النتيجة ، ماذا حدث ؟؟؟ خطواتك ستكون أقل نظرتك ستكون مركزة على الكوب نفسه ، لاأستبعد أن نسبة 90% ممن سيطبق هذا سينسكب منهم الماء رغم كل الحرص والاحتياط . مامعنى هذا ؟؟
إخواني و أخواتي : تفسير هذا أن الصورة التي تحضر إلى ذهنك الواعي تبرمج سلوكك فيكون متأثرا بها ، فالطفل يحمل الكوب والصورة التي في ذهنه صورة إيجابية ، ونظرته إلى نفسه أنه قادر على القيام بهذا العمل ، لكن حينما تقول له لا تسكب الماء أو لا تسقط الكوب ، هذا الأسلوب يستحضر في ذهنه مباشرة صورة الكوب ساقطا و الماء منسكبا ، فتسيطر على عقله الواعي هذه الصورة السلبية وتؤثر على سلوكه تأثيرا سلبيا ، تماما كما يحدث معك أنت و أنت البالغ الكبير حينما تستحضر في عقلك الواعي فكرة أن الكوب قد يسقط والماء قد ينسكب فتؤدي إلى توتر أعصابك وارتباكك رغم أن الأمر سهل يسير . جربوا هذا و تعلموا منه .
إخواني و أخواتي : في فندق بإحدى الدول الأوربية كانوا يقومون بتنظيف بلاط الأرضية في البهو يوما معينا في الأسبوع فيسكبون الماء والصابون والمنظفات على الأرض ، و يضعون لوحة تحذيرية تنبةالناس كتب عليها - لا تنزلق الأرض مبلولة - .
أقيمت دراسة إحصائية كان تنتيجتها أن عدد المنزلقين يقل بنسبة كبيرة جدا إذا لم تكن هذه اللوحة التحذيرية موجودة .
هذه آثار استخدام الأسلوب السلبي - لا تفعل - .
حسنا فما هو الأسلوب البديل ؟؟ حينما أريد أن أقول لولدي - لا تسهر - ماذا أريد منه ؟ أريد أن ينام ، فلماذا لا أقول له توجه للنوم . حينما أقول لولدي - لا تكسر الكوب - ماذاأريد منه ؟ أريد أن يحافظ عليه ، فلماذا لا أقول له حافظ عليه ، حينما أقول لولدي - لا تكذب - ماذا أريد منه ؟ أريد أن يصدق ، لماذا لا أقول له : كن صادقا … و هكذالماذا نعبر دائما عن الأشياء التي لا نريدها و نهمل التركيز على الأشياء التي نريدها ، لماذا نعمل على استحضار الصور السلبية إلى أذهاننا و أذهان صغارنا .
كل هذه الأمثلة التي ذكرت تدور في محيط الأشياء العادية التي لا يتوقع منها ضرر كبير ،، لكن تخيلوا معي ما يحدث حينما أقول لولدي أو أخي الصغير بدافع التحذيرالوقائي : - لا تدخن .. لا تتناول المخدرات - ، ماهي الصورة التي تحضر تلقائيا إلى ذهنه ؟ إنها صورته و هو يمارس عادة التدخين أو يتناول المخدر ، و هي صورة سلبية أنا أسستها في ذهنه لم تكن موجودة ، حقا إنها صورة بشعة ما ذنبه لكي أنبه لها ؟
الأدهى من ذلك و الأمر إذا أخذت أكرر مثل هذا الأسلوب ، لأن تكراره يعوده على هذه الصورة حتى تصبح مألوفة لديه ، و بالتالي يقل نفوره منها ، ويتجرأ عليها ولا أستبعد أن يدفعه الفضول لتقمص تلك الصورة الخيالية و يجرب التدخين أو حتى المخدرات .
هل ترون إلى أي مدى يمكن أن نبرمج أذهان الآخرين دون أن نعي ؟؟؟
إن شعارات -- لا للمخدرات … لا للتدخين -- و أمثالها ، عبارة عن برامج تؤدي إلى عكس ما يراد منها .. فليت قومي يعلمون .
قد يقول قائل بأن أسلوب النهي أسلوب عربي ورد في القرآن الكريم ، فكيف تنصح بالابتعاد عنه ؟
و أجيب عن هذا بأن أسلوب النهي أسلوب عربي لا بأس باستخدامه إن كان لا يستحضر في ذهن المخاطب صورة سلبية جديدة عليه ، فمن كان يمارس عادة التدخين لا بأس أن تقول له : لا تدخن ،لأنك لم تستحضر في ذهنه صورة غريبة عنه ، فرغم سلبيتها إلا أنها معروفة لديه ،فأسلوبك هنا لم يعمل على برمجته الذهنية ، و استعرض أساليب النهي في القرآن ستجدأنها مرتبطة بأشياء قائمة في واقع الناس ، لكن المشكلة حينما تستخدم هذا الأسلوب السلبي مع مخاطب خالي الذهن مما تنهاه عنه .
سبق وان قرأت في كتاب عن البرمحة اللغويه العصبيه عن هذا الاسلوب وتأثيره فاحببت ان انقل لكم هذا الموضوع لعله يكون مفيدا